Quantcast
Channel: Jadaliyya Ezine
Viewing all articles
Browse latest Browse all 6235

موناليزا تنضم إلى الجيش الإسرائيلي

$
0
0

كان لإسم فلسطين طعم محرم وممنوع. فكنت في طفولتي أخاف أن أنطق به كي لا تنسل الألسنة الحادة وتقطعه إرباً إرباً. أن تعيش كفلسطيني على أرض فلسطين التاريخية يعني أن تتجرع النكبة كل يوم في لون الشمس والبحر والأرض وذكريات اجدادك. ذكريات تحاصرك وتشد الخناق حولك باللغة. واللغة سلاح تتعلم أن تحاصره أيضاً كلما حاصرك. فتبدأ تنادي بإسمها المحرم في كل مكان لعلها يوماً ما تناديك. 

اللغة سلاح يستعمله الإسرائيليون في حروبهم التي شنوها قبل إستعمالهم السلاح. وظلوا يستخدمونه مع كل حرب. فقبل أن تقود الحكومة أي عملية عسكرية أو تشن حرباً، تطلق عنان الناطقين بإسمها والمتحدثين الصحفيين والكلمات عن حروب تسميها ”عناقيد الغضب“ أو” الرصاص المسكوب “.
 
لكن هنالك حرباً غير معلنة. حرب تشنها الدولة بمؤسساتها وأيديولوجيتها منذ النكبة إلى يومنا هذا ضد الفلسطينيين الذين تمكنوا من البقاء فيها. إنها حرب شرسة، إحدى أدواتها اللغة والخطاب وبالتالي فهي حرب هوية وذاكرة.

وليس بالصدفة أن تطلق إسرائيل على الفسطينيين تسمية ”عرب إسرائيل“. فتسمية ”عرب إسرائيل“ تريد أن تمحي وتنفي أي وجود فلسطيني على هذه الأرض. وبهذا تحقق المخطط  المستمر قبل النكبة إلى يومنا والذي لا يهدف إلى "استيراث" أرض فلسطين بالقوة فحسب، بل إلى استيراث الثقافة والفلسطينيين أنفسهم. فنصبح ”أشياء“ تسمى كما يحلو لهم تسميتها. وليس صدفة أن تتحدث نشرات الأخبار في الإعلام الإسرائيلي عن دروز ومسيحيين ومسلمين وبدو. ويتعمد السياسيون الإسرائيليون الحديث عن المسيحيين الفلسطينيين بطريقة مختلفة للإيحاء بأنهم جماعة منفصلة ومتفوقة على المسلمين ”المتخلفين“.  وأما الدروز فهم مقاتلون أقوياء والمسلمون هم العرب وما إلى ذلك من تقسيمات لكسر الانتماء ولتقطيع الجسد الفلسطيني الجمعي. ومع ضراوة كل هذا فلم تنجح أي سياسة تتبعها اسرائيل في تحقيق أهدافها. فما زال المجتمع الفلسطيني في غالبيته غير طائفي ولا يمكنه أن يكون كذلك لأنه سيكون إنتحاراً. ولم تنجح كل السياسيات في كسر الصمود الفلسطيني في الداخل. الداخل  الذي يقف لوحده يتيماً منذ أكثر من ستين عاماً.

ليس غريباً أن تمعن إسرائيل، بالرغم من إخفاقها، في ممارسة هذه السياسات. ولكن أن يتبنى العرب وبعض الإعلام العربي هذا القاموس اللغوي فهذا يقودنا إلى التساؤل عن الهدف السياسي وعن الهويات التي يراد خلقها أو محوها؟

لا يتجاوز التقرير، الذي بثته شبكة إم بي سي١ونشرته على موقعها يوم الثلاثاء الماضي، دقيقة وأربعين ثانية والذي نشر كذلك على موقع يوتيوب. يتحدث التقرير، القصير نسبياً، عن قضية إنضمام الفتاة الفلسطينية موناليزا عبده إلى الخدمة العسكرية في جيش الإحتلال الإسرائيلي. لا شك أن هذه القضية مثيرة للإستغراب وللألم على الصعيد الشخصي، كما تحمل معها الكثير من الأسئلة. لكن المثير للجدل هي الطريقة المسمومة التي تم تناول الموضوع بها وكمية المعلومات الخاطئة التي وردت في التقرير.

أول هذه المعلومات هو كون موناليزا "أول" فتاة فلسطينية تنضم إلى صفوف جيش الإحتلال. للأسف هذا غير صحيح! قبل عام تقريبا قام الجيش الإسرائيلي بنشر صور ألينور جوزيف من حيفا وتحدث عنها كأول فتاة فلسطينية تتحدث بصورة علنية عن إنضمامها لصفوفه. نشرت  قناة  العربية يومها وعلى صفحتها في النيت الموضوع وغطته بتقرير كما تحدثت مواقع أخرى عنه. إذا لماذا تنشر ال إم بي سي ١ خبراً ليس ”خبراً“ بالمعنى المهني الصحفي، وتدعي ما كان من الممكن ببحث بسيط على الإنترنيت التأكد من عدم صحته. ألا يقوم الصحفيون في المحطة بالعمل حسب المعايير الصحفية وبالتأكد من صحة المعلومات الواردة؟ أم أن الغاية من بث الخبر تصب في مكان آخر؟

ولا تتوقف “الإثارة“ في التغطية عند هذا الحد. فخلال التقرير الذي لا يتجاوز الدقيقتين تكررت كلمة ”عرب إسرائيل“ ومشتقاتها كـ "الفتاة العربية الإسرائيلية" ست مرات. لا شك بأن الصورة سيدة الموقف وأن الجمل البسيطة وغير المركبة مهمة لتمرير معلومات تتغلغل في ذهن المشاهد لتدعم الصور. إن جعل مقولة "عرب إسرائيل" لازمة تهيكل الخبر بأكمله تدفع المشاهد إلى نتيجة واحدة وهي غياب الفلسطينيين عن أرض فلسطين ليحل محلهم "عرب إسرائيل" فأين أصبحت فلسطين من كل هذا وهل أصبح أهلها هم العابرون في كلام عابر؟

إضافة إلى تبني التسميات الإسرائيلية فإن التقرير يضرب عصفورين بحجر واحد فهو  ينزع عن الفلسطينيين فلسطينيتهم ثم يضيف جرعة طائفية بالتركيز على الانتماء الديني لموناليزا فهي "مسيحية." فلماذا تكون ديانتها مهمة وما الذي تضيفه هذه المعلومة للخبر؟ معظم الصور في التقرير من داخل معسكر التدريب وعندما نخرج من هذا الحيز نرى صوراً لمسيرات عيد الميلاد في فلسطين، ربما في حيفا. وهكذا تكتمل الصورة وترتبط أجزاؤها ببعضها البعض. الفتاة ”المسيحية“ تتطوع في الجيش الإسرائيلي. وهكذا يتم وضع فلسطينيتها لا بل عربيتها موضع شك. ليس الأمر هنا محض صدفة أو كسل أو لا مهنية، بل أن التحريض الطائفي واضح بما لا يقبل الشك.

ومن المضحك المبكي أن تتبنى بعض المواقع العربية كموقع المصري اليوم الخبر وتدرجه على موقعها كما جاء على صفحة ال أم بي سي مع تغييرات بسيطة لكنها أبقت على جملة غريبة عجيبة لا يجرؤ على قولها الإسرائيليون أنفسهم، وهي كالتالي “وقد أثار قرار «موناليزا» سخط الرأى العام داخل أوساط عرب إسرائيل، الذين يمثلون حوالى 20٪ من الشعب الإسرائيلى...” إذا لقد أصبح الفلسطينيون جزء من الشعب الإسرائيلي! يا لها من جملة!

من الضروري، بالطبع، مناقشة المواضيع الحساسة كإنضمام بعض الفلسطينيين إلى الجيش الإسرائيلي أو التجند الإجباري للدروز وما إلى ذلك من مواضيع شائكة بطريقة نقدية ولكن دون أن يسقط المرء في شراك الخطاب الصهيوني المهيمن ومقولاته التي تمحو الفلسطينيين، إلا إذا كان يريد أن يساهم في محوهم وتحويلهم إلى إسرائيليين.

إن كلمة ”عرب إسرائيل“ تجرح القلب وتجرحه أكثر عندما تجيء ممن يدعي دعمنا. إذا كنتم لا تريدون دعمنا فعلى الأقل أتركونا وشأننا. ففلسطين لم تضع! كانت ولم تزل موجودة بوجود أهلها. فهي وأهلها موجودون حتى لو شرد وهجر أغلبهم. 


Viewing all articles
Browse latest Browse all 6235

Trending Articles