رسالة إلى الاميركان
أنتم تعلمون كما أعلمُ أن شعباً تحت احتلالٍ هو شعبٌ
تعيسٌ لا محالة، وأن الاهل يخشوَن دوماً على حياة اطفالهم
الغالية، خصوصاً حين لا يكون ثمّـةَ أين يختبئون.
أنتم تعلمون كما أعلم أن الذكرى التي يحملها زوجٌ أُجبرت زوجته
أن تضَع عند الحاجز لن تكون ابداً من الذكريات السعيدة. أنتم تعلمون
كما أعلم أن صورة الجنين غير المولود وقد مات ضرباً في الرحم
سيبقى في فكر أُمّه لا يريم. وأنتم تعلمون كما أعلم أن الصَّبيّة
سوف يكون لديها من الاسباب ما يكفي لتسأل عن فقدان جدّها الذي
أُجبر على الانتظار في طريقه الى المستشفى، ولتبكي لـمرأى الرصاصة
الدفينة في رأس أخيها - أنتم تعلمون كما أعلم أن رؤيةَ
الذين نهَبوا أرضاً كنتَ تحرُثها يسقون جُنينَتهم
فيما أنتَ تستسقي السماءَ مطراً تُبلّل به حَلقكَ المنهوك
قد تَبعثُ في الصدر المرارةَ - أنتم تعلمون كما أعلم أن عائلةً
أو قريةً أو شعباً يعاقَبون بجَريرة فردٍ
قد لا يتجاوبون كالمطلوب مع فكرة ”هناك جانبان“. انتم تعلمون
كما أعلم أن شريعة حمورابي كانت سابقة قانونيّة عظيمة وان
ترجمة العين بالعين والسنّ بالسنّ تعني
عقاباً واحداً لجريمة واحدة - لا شيء أكثر
ولا شيء أقلّ. أنتم تعلمون كما أعلم أن القصف الجوّيّ
والفوسفور الابيض والحصار البحريّ والدبّابات والقنّاصة
والأسلاك الشائكة والجدار وهدم البيوت ومصادرة
الأراضي واقتلاع الزيتون والتعذيب بدون
محاكمة والعقوبات الجماعيّة وقطع المياه ومنع
الوصول للبحر وحتّى للسماء - مجتمِعَةً كلُّها لن تضاهي كلّ القنابل اليدويّة
التي تحملها الصواريخ وكل المسامير التي وضِعت ذات يومٍ في قنبلة
بيتيّة رغم أنّ المعدن سوف يخترق الجلودَ كلَّـها دون تمييز - أنتم
تعلمون كما أعلم أن العدالةَ تَسْكُـنُ الآدميَّ كما الأديمَ
ورغم أنكم لن تعلموا ابداً ما الذي كنتم ستفعلون لو احتذيتم
حذاء الآخر، ربما كان لديكم من القوّة ما يكفي لحمل
شيوخكم على أكتافكم، ومن الشجاعةِ ما يكفي للمكوثِ لدى طاولة العمليّات
أو لقيادة سيارة الاسعاف بعد مقتل أطفالكم، ومن الجسارة
ما يكفي لمواجهة الحزن اليوميّ يضاعفه فقدان إثر فقدان إلى أن
يصبحَ كلّ ما يملكه المرءُ صرخةٌ خرساء
في تنهيدة الصدر وعمق الأضلعِ. ولكنكم تعلمون أيضاً
كما أعلم أن اتساع السجن يزيد من سَعَةِ
المقاومة، ومَدى المعاناة يجعل الخوفَ
مجرّد شعور في غمرة المشاعر الاخرى لأن الاكثرَ احتلالاً
هو أيضاً الأكثر حرّية إذ يَفقِدُ الاوهامَ جميعَها،
سوى حلم الحريّة والسبيلِ
إلى تحقيقه. أنتم تعلمون كلّ هذا، ولكنّكم تعلمون
أيضاً كما أعلم أن الكيلَ قد طفَـحَ
وأنّ الذين قد بلغوا الحضيضَ لا بدّ أن يواصلوا هَبّة الصعود.
عَميئيل القَـلَعي
1-3 أغسطس، 2014
[ترجمها عن الإنكليزية أنطوان شماس. يمكن قراءة الأصل بالإنكليزية هنا]