انتهجت إسرائيل في فلسطين التاريخية منذ سنة 1948 سياسة لا يمكن لأحد أن ينفيها أو يتجاهلها عُرفت تحت اسم "التطهير العرقي"، إذ كان القادة الصهاينة يصدرون أوامر تقضي بتطهير المناطق التي كانت تستولي عليها قواتهم من مواطنيها الفلسطينيين، وذلك من أجل إيجاد مجتمع متجانس عرقياً ويقتصر على اليهود.[1]ولم يخفِ هؤلاء القادة ذلك، فقد صرّح موشيه دايان في خطابه أمام طلبة التخنيون (المعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا) في حيفا عام 1969 أنه جرى تشييد القرى اليهودية على أنقاض القرى العربية، وقال مخاطباً الطلبة: "إنكم لا تستطيعون حتى معرفة أسماء هذه القرى، وأنا لا ألومكم لأن كتب الجغرافيا لم تعد موجودة، ليست الكتب فقط لم تعد موجودة، القرى العربية ليست قائمة أيضاً".[2]
طالت عملية التطهير العرقي مدينة القدس والقرى والبلدات المحيطة بها، ويذكر عالم الاجتماع سليم تماري أنه جرى تهجير سكان 38 قرية من أصل 40 قرية واقعة في المنطقة التي بقيت تحت السيطرة الإسرائيلية بعد توقيع اتفاقية الهدنة سنة 1949، وبلغ عدد المهجرين آنذاك نحو 73,258 نسمة، يضاف إليهم سكان الأحياء العربية الواقعة غربي المدينة، والتي كانت من أكثر المناطق ثراءً وازدهاراً في الشرق الأوسط قبل 1948، وفقاً لبعض المؤرخين،[3] التي تم احتلالها وتطهيرها من العرب، والاستيلاء على منازلهم، وسلب ممتلكاتهم.[4] نحو خاص،وأقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على هدم قرى اللطرون الثلاث (عمواس،يالو، وبيت نوبا)، الواقعة غربي القدس، وتهجير سكانها، تنفيذاً لقرار صادر عن الحكومة الإسرائيلية آنذاك.[5] هذا بالإضافة إلى هدم حارة الشرف، التي شملت حي المغاربة وعدد من الأحياء المحاذية لها داخل البلدة القديمة، وتهجير سكانها قسراًإلى مخيم شعفاط،وتشير المعطيات إلى إقدام سلطات الاحتلال على هدم حي المغاربة بالكامل، حيث أزيل آنذاك 135 منزلاً، كان يقطنها 650 فلسطينياً، بالإضافة إلى هدم مسجد البراق ومسجد الملك الأفضل.[6]قامت الحكومة الإسرائيلية بعدها ببناء أحياء جديدة مخصصة للمستوطنين اليهود، فضلاً عن توطين البعض منهم في المنازل التي هجّر الفلسطينيون منها.
حذّر خبراء من "مركز القدس للدراسات الإسرائيلية" في أثناء المؤتمر الذي عُقد في شهر آذار 2007 تحت عنوان "سكان القدس.. إلى أين؟"،من أن "الأغلبية اليهودية في القدس تشهد منذ أعوام عديدة انحساراً متزايداً". وأشار هؤلاء الخبراء في هذا السياق إلى أن وتيرة نمو السكان العرب في المدينة تفوق مرتين وتيرة نمو السكان اليهود". وطبقاً للمعطيات التي عرضت في المؤتمر،فإن سكان القدس بشطرَيها الشرقي والغربي يبلغ نحو 720 ألف نسمة،منهم 66% يهوداًو34% عرباً. ونبّهوا من أن الهوّة ستشهد انحساراً واضحاً خلال الأعوام القادمة،بحيث ستصبح النسبة بحلول سنة 2020 60% يهوداًمقابل 40% عرباً.
سنستعرض فيما يلي القيود التي يفرضها المحتل على إقامة الفلسطينيين في القدس، لأنها تشكّل انتهاكاً خطيراً لحقهم الأساسي في اختيار مكان إقامتهم داخل بلدهم، وتندرج ضمن سياسات التطهير العرقي الممنهج:
أولاً: تشتيت الأسرة المقدسية بطرق "قانونية"
أدى ضم القدس الشرقية وفرض القوانين الإسرائيلية إلى منع الفلسطينيين من الإقامة في القدس، الأمر الذي تسبب بالمساس بوحدة الأُسرة الفلسطينية وتشتيتها. وأضحى المقدسيون بصورة خاصة، والفلسطينيون بصورة عامة، عرضة للمعاناة الناجمة عن السياسات الإسرائيلية والإجراءات المرتبطة بها، بما في ذلك القوانين والتشريعات، التي أقرّتها للنيل من النسيج الاجتماعي للمدينة (جراء وضع القيود الصارمة على جمع الشمل داخل حدودها)؛ وتقويض بنيتها الاقتصادية؛ وتشتيت الأسر المقدسية؛ وحرمان المقدسيين من المتطلبات الحيوية اللازمة لممارسة حياتهم الطبيعية، الأمر الذي وضع هؤلاء في موقع الدفاع اليومي عن حقوقهم، وفي مقدمتها حق الإقامة في القدس، والعيش فيها بكرامة، والحق في السكن، والحق في التعليم، والدفاع عن وحدة العائلة، وحمايتها من التشتت.
أقدمت السلطات الإسرائيلية بعد الاحتلال مباشرة على تنظيم سجل لسكان القدس الفلسطينيين، فأدرجتهم ضمن فئة المقيمين الدائمين في إسرائيل، شريطة أن يثبتوا أنهم يقيمون فعلاً في المدينة، وأن يكونوا قد وُجدوا فيها في إبّان إجراء عملية التسجيل. لقد كان هذا بداية الطريق للتقليل من نسبة الفلسطينيين فيها، إذ قصرت حق الإقامة على الذين وُجدوا فيها في أثناء مرحلة الإحصاء، ليُستثنى تلقائياً المقدسيون، الذين كانوا يقيمون في الخارج آنذاك، بمن فيهم كل من كان مقيماً خارج حدود بلدية القدس التي أقرتها وزارة الداخلية الإسرائيلية في حزيران 1967، فكانت النتيجة عدم حصولهم على وضع المقيمين الدائمين، وجرى حرمانهم من الإقامة في المدينة، ولم يسمح لهم بالعودة إلى وطنهم[9]
منذ ذلك الحين بات كل فلسطيني يغادر القدس ويقيم في مكان آخر مدة طويلة نسبياً، سواء خارج حدود المدينة (الضفة الغربية وقطاع غزة) أو خارج البلاد، يواجه خطر فقدان حقه المتمثل في الإقامة الدائمة بالمدينة، وخصوصاً أن قانون الدخول إلى إسرائيل لسنة 1974 يخوّل وزير الداخلية إلغاء الإقامة لأي شخص سواء أكانت مؤقتة أم دائمة.[10] إضافة إلى ذلك، تنص المادة 11(أ) من أحكام الدخول إلى إسرائيل على مبدأ فقدان الأشخاص للإقامة الدائمة في حالة الإقامة في دولة أجنبية مدة سبعة أعوام؛ أو الحصول على إقامة دائمة في بلد أجنبي؛ أو التجنس في بلد أجنبي. لذا، أضحى الفلسطيني، الذي يقيم خارج حدود بلدية القدس، كما رسمتها السلطات الإسرائيلية بعد الاحتلال، يعتبر فاقداً للإقامة الدائمة. استمر العمل بهذه الإجراءات حتى سنة 1988، وهو عام صدور قرار محكمة العدل العليا الإسرائيلية في "قضية مبارك عوض"، وقد نصّ القرار على وضع معيار جديد، أطلق عليه "مركز الحياة – Domicili"، من أجل استمرار حيازة المقدسيين على الإقامة الدائمة. وعلى هذا الأساس، أصبح وزير الداخلية الإسرائيلي مخوّلاً بسحب بطاقة هوية كل مقدسي يثبت أنه يعيش خارج المدينة، وأن مركز حياته ليس داخل حدود البلدية، حتى لو أقام أقل من سبعة أعوام.[11]
بعدها ومع حلول العام 1995، أخذت السلطات الإسرائيلية تطبق هذه الإجراءات على نطاق واسع، وباتت تتشدد أكثر حيال الفلسطينيين المقيمين خارج المدينة، وتضع أمامهم مختلف العراقيل لإسقاط حقهم في الإقامة فيها، ومنعهم من العودة إليها. وطال ذلك عشرات آلاف المقدسيين والمقدسيات، الذين دفعت بهم ضائقة السكن إلى العيش في الأحياء المحاذية للقدس، بالإضافة إلى الأشخاص الذين تزوجوا ممن لا يحملون هوية القدس ويعيشون معهم خارجها. وأضحت الموافقة على جمع شملهم وتسجيل أطفالهم من شبه المستحيل، الأمر الذي تسبب بتشتيت آلاف الأُسر والعائلات، وفرض هجرة قسرية على الفلسطينيين.[12]
بموازاة ذلك، باشرت مؤسسة التأمين الوطني منذ سنة 1984 بتضييق الخناق على المواطنين المقدسيين، فقامت بتطبيق سياسات تمييزية تجاههم تمثلت في حرمان كل شخص غيّر مكان سكنه إلى خارج "حدود البلدية" من مخصصات التأمين الوطني، وحرمت الأطفال الذين وُلدوا خارج حدود البلدية وفي الضواحي المتاخمة لها من المخصصات الاجتماعية كافة. وقد لاقت هذه السياسات تأييد القضاء الإسرائيلي، والمحكمة العليا الإسرائيلية، التي أكدت في قرارها الصادر سنة 1993 جواز حرمان المقدسيين المقيمين خارج "حدود البلدية" من المخصصات والخدمات التي تقدمها مؤسسة التأمين الوطني.[13]
تسوق السلطات الإسرائيلية حججاً لا تتوافق مع القانون الدولي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان لتبرير هذه السياسات، فهي تتذرع بولادة الأطفال أو بقائهم أوقاتاً طويلة خارج الأرض المحتلة، وعدم الإقامة الدائمة في مدينة القدس المحتلة (مركز الحياة)، أو الغياب عنها لوقت يزيدعلى 7 أعوام متواصلة. تنتهك هذه الإجراءات حقوق الفلسطينيين في الاحتفاظ بروابطهم العائلية، وتنزع عنهم جنسيتهم وهويتهم.
ثانياً: قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل لسنة 2003
إنَّ حق الإنسان في بلده أساسيٌ ومتأصل، وهو معترف به قانونياً وموثق في المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1948، التي أكدت أن "لكل فرد حق في حرية التنقل، وفي اختيار محل إقامته داخل حدود دولته". كذلك الحال بالنسبة إلى العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية سنة 1966، فقد أكدت المادة 12 منه هذا الحق بالنص على أنه "يوجد لكل فرد على نحو قانوني داخل إقليم دولة ما حرية التنقل فيه، وحرية اختيار مكان إقامته".
اتخذت الحكومة الإسرائيلية في أيار/مايو 2002 القرار رقم 1813، بشأن "معالجة قضايا المقيمين غير القانونيين في إسرائيل، وإجراءات جمع شمل الأسر، التي يكون أحد أفرادها من أصل فلسطيني، أو من الضفة الغربية وقطاع غزة"، وقد نص القرار على عدم سريان إجراءات منح المواطنة أو الإقامة الدائمة لمواطني الأرض الفلسطينية المحتلة، ولذوي الأصول الفلسطينية، الذين يصبحون شركاء حياة لمواطنين إسرائيليين أو لمقيمين دائمين في إسرائيل؛[14] وتضمن القرار أيضاً عدم قبول أية طلبات يتقدم بها الفلسطينيون المقيمون في الأراضي الخاضعة لإدارة السلطة الفلسطينية أو ذوي الأصول الفلسطينية، لنيل مكانة قانونية (جنسية أو إقامة) من أجل الالتحاق بشركاء حياتهم داخل إسرائيل؛[15] بالإضافة إلى ذلك فقد تضمن القرار نصاً يقضي بعدم إدراج أية تعديلات على أوضاع الذين حصلوا في أوقات سابقة على مكانة قانونية محددة (مقيم مؤقت أو مقيم دائم).[16]
أعطى الكنيست للقرار 1813 صورة قانونية في 31/7/2003، بأن أقرت "قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أمر مؤقت)- 2003" (لاحقاً "قانون المواطنة")، الذي نص على منع الفلسطينيين وذوي الأصول الفلسطينية، الذين تزوجوا من مواطنين إسرائيليين أو مقيمين دائمين في إسرائيل، من السكن معهم داخل إسرائيل. وبحكم الضم غير المشروع للقدس، واعتبارها "جزءاً من إسرائيل"، فإن القانون يمسّ بصورة أساسية بالمواطنين المقدسيين وأطفالهم المولودين خارج المدينة، لأنه يمنع تسجيلهم لدى وزارة الداخلية الإسرائيلية، الأمر الذي يعني أن القانون جمّد العمل كلياً بإجراءات جمع الشمل.
يسري هذا القانون إلى الآن، إذ يجري تمديد العمل به بصورة دورية. وقد سمح بموجب التعديل الذي أُجري في 27/7/2005 بتقديم طلبات جمع شمل للزوجات اللواتي بلغن الخامسة والعشرين، وللأزواج الذين بلغوا الخامسة والثلاثين، أما من هم دون ذلك، فقد تُرك الحال على ما هو. وقد عللت السلطات الإسرائيلية هذا التوجه، بإقدام عدد من الذين دون هذه الأعمار بتنفيذ هجمات داخل إسرائيل.[17]
يُعتبر هذا القانون عنصرياً بامتياز لاستهدافه الفلسطينيين وذوي الأصول الفلسطينية بصفتهم تلك ودون غيرهم، وبمعزل عن مكان إقامتهم، سواء في القدس وسائر أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة أو داخل إسرائيل أو خارج البلاد، فالقانون يجمّد البت بطلبات جمع شمل العائلات الفلسطينية عبر شطرَي الخط الأخضر وفي القدس المحتلة؛ ويفرض قيوداً صارمة على جمع شمل شركاء الحياة وتسجيل المواليد، بحيث يجعله شبه مستحيل، ويفضي هذا إلى تشتيت الأسر الفلسطينية، ممّا يحرمها من حقها في العيش المشترك في بيئة أسرية آمنة وسليمة، بالإضافة إلى أنه يُؤدي إلى إجبار الفلسطينيين على الهجرة والإقامة شرقي جدار الضم والتوسع، أو ترك البلاد والهجرة إلى الخارج.
أقرت الكنيست في آذار 2007 تعديل قانون المواطنة، فوسعت نطاق سريانه وأمَده. وفضلاً عن المنع المفروض على المواطنين الإسرائيليين المتزوجين من فلسطينيي سكان المناطق المحتلة سنة1967 ، من العيش معاً كعائلة داخل إسرائيل، فقد فرض منعٌ مماثل على المقيمين أو المواطنين في إيران والعراق وسورية ولبنان.[18]
حقوق الطفل/حقوق الإنسان/ وضع الأطفال في ظل قانون المواطنة
ينتهك "قانون المواطنة" المعايير الدولية لحقوق الإنسان، كحظر التمييز، أي المساواة أمام القانون دون أي تمييز لأي سبب كان، ووجوب حماية الأسرة بصفتها الوحدة الجماعية الطبيعية والأساسية في المجتمع، والحق في التمتع بحماية المجتمع والدولة، وحق الرجل والمرأة في الزواج وتأسيس أسرة عند بلوغ سن الزواج.[19] كما يتسبب هذا القانون وما يرتبط به من إجراءات بمعاناة لجميع الفلسطينيين تطال تحديداً النساء والأطفال، وتضع عشرات آلاف الأسر الفلسطينية في أوضاع حياتية مأساوية لعدم تمكن الزوج وزوجته من العيش تحت سقف مشترك، فأحدهم في القدس المحتلة أو داخل إسرائيل أو في الخارج، والآخر في قطاع غزة أو الضفة الغربية؛ وبالتالي يترعرع الأولاد من دون أحد الوالدين؛ ويهاب الكثير من الأشخاص السفر إلى الخارج، بما في ذلك لتلقي العلاج الطبي، خوفاً من أنهم سيمنعون من العودة إلى أحضان أسرهم.
يمثل هذا القانون العنصري عائقاً أمام حصول أطفال كثيرين، من الذين يكون أحد والديهم مواطن في إسرائيل والآخر مواطن في الأرض المحتلة، على وضع قانوني ثابت داخل إسرائيل. فالقانون يحول دون حصول الأطفال البالغة أعمارهم بين 14-18 عاماً على مكانة قانونية ثابتة، بالرغم من مكوثهم داخل إسرائيل مع أحد الوالدين الذي بحوزته مواطنة إسرائيلية، إذ أنه يمكنهم الإقامة في إسرائيل بموجب التصريح المؤقت مدة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر فقط، دون إمكانية الاستفادة من الحقوق والامتيازات الاجتماعية. والواضح أن مصير هؤلاء الأطفال مبهم، ولا يمكن التكهن بما ستؤول إليه أوضاعهم عند بلوغهم سن 18 عاماً، فهل سيتم حينها منحهم تصاريح تمكنهم من البقاء مع الوالدين؟ وهل ستعترض السلطات على إعطائهم التصاريح اللازمة، وبالتالي سيجري ترحيلهم إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة؟ أم سيكون بمقدورهم مواصلة العيش مع أفراد أسرهم؟ تبقى هذه الأسئلة مصدر القلق الأساسي للأطفال وعائلاتهم، ويتملكهم الخوف من أنهم سيضطرون إلى مغادرة منازلهم الكائنة داخل حدود إسرائيل وفي القدس المحتلة.
الوضع مغاير نوعاً ما بالنسبة إلى الأطفال ممن هم دون 14 عاماً من العمر، فهؤلاء يحصلون على تصريح من قبل وزارة الداخلية يمكّنهم من الإقامة المؤقتة في القدس أو داخل إسرائيل. وبموجب هذا التصريح (مواطن مؤقت) يتمتع هؤلاء الأطفال بمختلف الضمانات والحقوق الاجتماعية التي يتمتع بها المواطن (التأمين الوطني، والتأمين الصحي)، غير أن هذه السياسة تقوم على منح التصريح مدة عامين فقط، شريطة أن يتم إثبات أن مركز حياة الطفل موجود داخل إسرائيل.
تؤكد اتفاقية حقوق الطفل المعقودة سنة 1989 أن الأسرة هي بمثابة الوحدة الأساسية للمجتمع، وهي البيئة الطبيعية لنمو جميع أفرادها ورفاهيتهم، وخصوصاً الأطفال، وتولي أهمية خاصة للمواطنة، ولوضْع الطفل القانوني في المجتمع والدولة، والتي على أساسها يتمتع بالحماية والخدمات والضمانات الاجتماعية؛ بالإضافة إلى أنها (الاتفاقية) تكفل للطفل الحق في معرفة والديه قدر الإمكان، وأن يسجل بصورة فورية بعد الولادة؛ وتقر بحق الطفل في اكتساب اسم وجنسية، وضرورة إقصاء أي تدخل أو سبب غير شرعي من شأنه أن يمسّ بتعهد الدول الأطراف القاضي باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته، وجنسيته، واسمه، وصلاته العائلية.[20] ينتهك "قانون المواطنة" أحكام المادة العاشرة من هذه الاتفاقية، وهي تنص أنّه: "على الدول الأطراف النظر في الطلبات التي يقدمها الطفل أو والداه لدخول دولة طرف أو مغادرتها بقصد جمع شمل الأسرة، بطريقة إيجابية وإنسانية. وتكفل الدول الأطراف أيضاً ألا تترتب على تقديم طلب من هذا القبيل نتائج ضارة على مقدمي الطلب وعلى أفراد أسرهم". إنّ "قانون المواطنة" ينطوي على مخالفة واضحة لاتفاقية حقوق الطفل، وذلك يقود إلى نتيجة مؤداها أن القانون يمسّ بالمصلحة الفضلى للطفل بصفتها من المبادئ المستقرة في القوانين الدولية والوطنية.[21] وما من شك في أن هذا القانون العنصري يستخدم كأداة في خدمة سياسة التطهير العرقي التي تهدف إلى تقليص نسبة الفلسطينيين بصفتهم السكان الأصليين للبلاد، مقابل زيادة نسبة اليهود فيها.
المحكمة العليا تبرر سريان القانون العنصري
تقدم العديد من منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والإسرائيلية، بعد إقرار الكنيست "قانون المواطنة"، بالتماسات لمحكمة العدل العليا الإسرائيلية تطعن بعدم دستورية هذا القانون العنصري، لأنه يستهدف الفلسطينيين، وطالبت بإلغائه لما ينطوي عليه من انتهاكات خطيرة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، إلا إن المحكمة ردت هذه الإلتماسات[22]لقد أيّد ستة قضاة من بين أحد عشر، إدعاءَ الملتمسين القائل إن أحكام القانون تشكل انتهاكاً للحق الأساسي بالحياة العائلية والمساواة من جهة، لكنهم برروا حجج السلطات بأن الضرورات الأمنية تستوجب سريان
القانون.[23] ورفضت المحكمة العليا بأغلبية ستة قضاة مقابل خمسة الالتماس الذي قدمه مركز "عدالة"، كما رفضت ستة التماسات أُخرى تطالب بإلغاء "قانون المواطنة" لانتهاكه حق مواطني إسرائيل بجمع شملهم مع أزواجهم وزوجاتهم الفلسطينيين من سكان الأراضي المحتلة أو ذوي الأصول الفلسطينية.[24]
كتب القاضي حيشين، الذي شغل منصب نائب رئيس المحكمة العليا آنذاك، عن موقف الأغلبية، فادّعى أنه ليس هنالك حق دستوري/أساسي لمواطني دولة إسرائيل يخوّلهم الطلب من المحكمة إبطال قانون أقرّته الكنيست بخصوص منع أزواجهم/زوجاتهم "الأجانب" من نيل مكانة قانونية في إسرائيل، واعتبر حيشين أن الحق بكرامة الإنسان لا يتضمن في طياته أي واجب أو التزام قانوني يفرض على الدولة السماح "لأجانب" متزوجين من مواطنين إسرائيليين بالدخول إلى إسرائيل. وأضاف حيشين أن "واقع الحرب ضد السلطة الفلسطينية" هو مبرر كافٍ لسنّ هذا القانون الهادف إلى الحيلولة دون دخول عناصر معادية إلى إسرائيل؛ وعبّر القاضي ليفي عن رأيه بأن القانون غير دستوري، إلاّ إنه يجب رفض الالتماسات لإتاحة الفرصة أمام الكنيست لتعديله؛ أما باقي القضاة الذين انضموا إلى الأغلبية، فقد أقرّوا أن القانون يشكل مساساً بالحقوق الدستورية، إلا نّه يتناسب مع الفائدة المرجوة منه، وطالبوا بإجراء تعديلات تستجيب للحالات الإنسانية .
أما موقف الأقلية، فقد مثّله رئيس المحكمة العليا، القاضي أهرون باراك، والذي اعتبر أن الأمر يتعلق بحق مواطني الدولة الإسرائيليين في المساواة، وممارسة حياتهم العائلية، وذلك بموجب ما هو منصوص عليه في القانون الأساسي "كرامة الإنسان وحريته"، والذي يحق بموجبها للمواطن أن يمارس حياة عائلية مع الزوج الآخر في إسرائيل؛ مؤكداً أن هناك بيته وهناك مجتمعه، هناك جذوره التاريخية والثقافية والاجتماعية. وأقرّ قضاة الأقلية بأن القانون ليس نسبياً، باعتباره يلغي إمكانية النظر بكل حالة على حدة، وينتهك الحقوق ويصادرها بصورة جماعية وتعسفية. وبناءً على ذلك، خلص القاضي باراك إلى نتيجة تقضي بأنّه يتوجب إلغاء القانون كونه غير دستوري.
جرى الطعن مرة أُخرى في "قانون المواطنة" على إثر التعديلات[25] التي أُدرجت عليه سنة 2007، وذلك بموجب إلتماس حول عدم دستوريته، لأنه ينتهك حق المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل في المساواة والحياة الأُسريّة في إسرائيل، فضلاً عن القيود الصارمة التي يفرضها على حرّيتهم في اختيار أزواجهم والعيش سويّة مع أولادهم داخل إسرائيل.[26] وادّعى الملتمسون بأن القانون عنصري، لأنه يحول دون جمع شمل فئة محددة بحكم انتمائها القومي والعرقي؛ وينتهك الحق في الكرامة، لأنه يحظر على الأقلية الفلسطينية، سكان البلاد الأصليين، إقامة علاقات أسرية مع أبناء شعبهم الفلسطيني وأمّتهم العربية.[27] وقد جاء قرار أغلبية القضاة هذه المرة على نحو أسوأ من سابقتها، فبالرغم من اعتمادهم أن الحق الدستوري (الأساسي) في الحياة الأسَريّة مشتق من الحق في الكرامة الإنسانية، إلا إنهم خلصوا إلى أن ذلك لا يستدعي بالضرورة ممارسة الحق في الحياة الأسَريّة في إسرائيل. وارتأت الأقلية المكونة من خمسة قضاة أن الحق في الحياة الأسَريّة للزوج الإسرائيلي هو حق أساسي، يتضمن ممارسة الحق في العيش وتكوين أُسرة في إسرائيل.[28]
منظمات حقوق الإنسان
أجمعت منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية على مخاطر السياسات التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية فيما يتعلق بتشتيت العائلات، واعتبرتها غير مشروعة، ومخالفة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وطالبت بضرورة وقف العمل فيها، وإلغائها. وطالبت إسرائيل بإعادة النظر في قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل لعام 2003، وإلغائه على الفور لأنه يرسخ التمييز العنصري، وينتهك المعايير
الدولية لحقوق الإنسان، وقواعد وأحكام القانون الدولي
الإنساني.[29] وقد انتقد مركز "عدالة" قرار المحكمة، الذي أبقى على سريان القانون الأكثر عنصرية في دولة إسرائيل، بما يحول دون جمع شمل العائلات على خلفية قومية، عربية–فلسطينية، الأمر الذي رفضته محكمة جنوب أفريقيا سنة 1980 في أوج مرحلة الفصل العنصري، حيث لم تؤيد أوامر مشابهة للقانون الإسرائيلي بدعوى انتهاكها للحق في الحياة الأسرية السليمة (الحق في العائلة). وبحسب عدالة، فإن المحكمة العليا وضعت بذلك الأسس لثلاثة مسارات للمواطنة لأسباب إثنية: مسار مباشر لليهود يستند إلى حق العودة؛ ومسار وسط للأجانب يعتمد الإجراءات التدريجية؛ والمسار الأكثر صعوبة للمواطنين العرب، حيث بات جمع شمل الأسر شبه مستحيل.[30]
ورأت "عدالة" بالقرار انتهاكاً خطيراً للقانون الدوليّ وللتوصيات الصادرة عن مختلف لجان حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، استناداً إلى أحكام المادة الرابعة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي وقعته إسرائيل وأقرّته، والذي يشترط ما يلي: "في حالة الطوارئ العامّة، التي تهدّد حياة الأمة والوجود، والتي يعلنَ عنها بصورة رسمية، فإن الدول الأطراف لهذا الميثاق الحالي، يمكنها أن تتخذ تدابير تنتقص من التزاماتها بموجب الميثاق الحالي إلى المدى الذي تتطلبه بصورة صارمة مقتضيات الوضع، شريطة ألا تتناقض هذه التدابير مع التزاماتها الأخرى بموجب القانون الدولي، وألا تتضمّن التمييز على أساس العرق، اللون، الجنس، اللغة، الدين أو الأصل الاجتماعي."[31]
عبّرت المنظمات الدولية ولجان لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن إدانتها لهذا القانون كلجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية سنة 1966، التي طالبت السلطات الإسرائيلية بإلغائه؛ أما لجنة مناهضة التعذيب المنبثقة عن الاتفاقية الدولية للقضاء على مختلف أشكال التمييز العنصري، فقد عبّرت عن قلقها الشديد إزاء قانون تجميد جمع الشمل والتعديلات التي أدرجت عليه، وحثت إسرائيل على إلغائه بصفته ينتهك الاتفاقية، ويقوم على أساس التمييز، وطالبت إسرائيل، بصفتها طرفاً في الاتفاقية، تقديم تقرير حول هذه المسألة.
اعتبرت مؤسسة "الحق" ومركز "عدالة" و"المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في المداخلة الموجهة إلى لجنة حقوق الإنسان من قبل بعض مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية
الناشطة في الأرض المحتلة وداخل إسرائيل، أن "قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أمر الساعة) لعام 2003" ينطوي على تمييز واضح بحق فلسطينيي الأرض المحتلة، وضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، والمقيمين في القدس. وبموجب ما ورد في المداخلة، فإن هذا القانون ينتهك بصورة خطيرة مبدأ حظر التمييز المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها اتفاقية القضاء على مختلف أشكال التمييز، والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو بمثابة قانون عنصري، وينتهك حق العائلة في التوحد.[32]
-السياسات الإسرائيلية في ضوء مفهوم التطهير العرقي
برز تداول مصطلح التطهير العرقي بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، إذ بدأ التشيكيون والبولنديون ينادون علناً بضرورة تنظيف بلادهم من الألمان والأوكرانيين، على غرار ما فعله النازيون، حينما أخلوا الأراضي الألمانية من اليهود، متذرعين ببرامج الصحة التي أعدت للتغطية على هذه الممارسات.[33] وفي سنة 1981 بدأت وسائل الإعلام في يوغوسلافيا تنادي بجعل إقليم كوسوفو متجانساً عرقياً.[34] وعلى إثر اندلاع حرب البوسنة والهرسك جرت محاولات حثيثة لتعريف التطهير العرقي، تضمنتها العديد من التقارير، التي أصدرت بخصوص هذه الحرب والأعمال والممارسات الناجمة عنها، حيث بات التطهير العرقي معروفاً، وأصبح بمثابة جريمة يعاقب عليها القانون.
استعرض المقرر الخاص للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بشأن يوغوسلافيا السابقة في متن التقارير التي أعدها خلال المدة 1993-1994، الأفعالَ والممارسات التي تدخل ضمن نطاق التطهير العرقي، كالإجراءات الإدارية؛ إزالة السلطة المنتخبة بالقوة؛ الفصل من العمل والمناصب المهمة؛ وضع قيود على توزيع المعونات الإنسانية توطين اللاجئين من أبناء الجنس أو العرق التابعين لعرق معين في الإقليم الذي يجري تطهيره؛ وضع تشريعات تنطوي على تمييز وقمع واضطهاد؛ إجبار الأشخاص الراغبين بمغادرة الإقليم على اصطحاب عائلاتهم؛ منع النساء من عرق محدد من الولادة في المستشفيات. وقد خلص المقرر إلى الاستنتاج بأن هدف الحرب الأساسي في البوسنة والهرسك هو تنفيذ تطهير عرقي معتبراً أن هدف التطهير العرقي، يمكن أن يكون قصير الأمد أو بعيد الأمد، بحيث يتمثل الهدف قصير الأمد في السيطرة الفعلية على الإقليم لضرورات عسكرية وإستراتيجية؛ أما الهدف طويل الأمد فهو إيجاد أوضاع معيشية من شأنها جعل عودة الجماعات المهجَّرة غير ممكن، وبالتالي إحداث تغيير على التركيبة العرقية للسكان، طبقاً لنظرية وحدة الإقليم واقتصاره على عرق محدد.[35] وعليه، أوضح المقرر في تقريره الصادر يوم 17 تشرين الثاني/نوفمبر 1992 أن "وصف التطهير العرقي يعني إزالة مجموعة عرقية مسيطرة على إقليم محدد لمجموعات عرقية أُخرى". لاحقاً أورد المقرر الخاص في تقريره السادس أن "التطهير العرقي يعني تنظيف السكان المدنيين على أساس عرقي بهدف إرغامهم على ترك الإقليم الذي يعيشون فيه"[36] هذا بالإضافة إلى أنه "يمكن فهم التطهير العرقي على أنه عبارة عن طرد غير المرغوب فيهم من السكان من الإقليم، لأسباب تتعلق بالتمييز القائم على أساس عرقي أو ديني،ولاعتبارات سياسية، استراتيجية أو أيديولوجية، أو بسبب وجود جميع هذه العناصر"37
استناداً إلى ذلك، يمكن القول إن التطهير العرقي يستهدف إيجاد تجانس عرقي في إقليم متعدد الأعراق بواسطة طرد المجموعات العرقية غير المرغوب فيها باستخدام أساليب متعددة (إدارية، عسكرية، ترهيبية، إعلامية)، بحيث يصبحون لاجئين أو مهجّرين داخلياً، وجعل عودتهم مستحيلة، بدعوى وجوب اقتصار الإقليم على عرق أساسي محدد.
تُعرِّف "المبادئ التوجيهية بشأن التهجير الداخلي" الصادرة عن الأمم المتحدة سنة 1988 المهجرين داخلياً بأنهم الأشخاص أو الجماعات الذين أُجبروا قسراً على مغادرة منازلهم أو مناطق سكناهم، أو الذين اضطروا إلى الهرب منها في سبيل النجاة من نزاع مسلح؛ أو تجنب الآثار الناجمة عنه؛ أو من انتشار أعمال عنف؛ أو من انتهاكات حقوق الإنسان؛ أو من كوارث طبيعية، أو كوارث تسبب بها الإنسان، ولم يتجاوزا حدود الدولة المعترف بها دولياً".[38]
إنّ التهجير القسري سياسة تنتهجها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ سنة 1967، وهي تستهدف مواطني القدس الفلسطينيين بصفة خاصة. وتطبق هذه السياسة عبر وسائل متعددة، من مثل: فرض "قانون المواطنة"؛ عزل مدينة القدس عن باقي أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة ومنع الفلسطينيين من الوصول إليها؛ سياسة التخطيط القائمة على التمييز وهدم المنازل في القدس؛ الاستيلاء على الأرض؛ بناء المستوطنات؛ بناء جدار الضم والتوسع بما في ذلك داخل القدس وحولها؛ منع أي فلسطيني ليس بحوزته إقامة دائمة في القدس (الهوية الإسرائيلية الزرقاء) من الوصول إلى المدينة والإقامة فيها، الأمر الذي يفضي لإحباط قدوم الفلسطينيين وذوي الأصول الفلسطينية للإقامة في المدينة. وبسبب هذا كلّه، فقد اضطرت عشرات آلاف الأسر الفلسطينية إلى الهجرة القسرية إلى خارج المدينة، والاستقرار خارج الجدار.[39]
إن سياسة الحد من نسبة العرب بتهجيرهم (ترانسفير)، مقابل زيادة نسبة اليهود من أجل الحفاظ على الأغلبية اليهودية في إسرائيل والقدس المحتلة، تدلل على النية في تطهير البلاد من مواطنيها الفلسطينيين لتوفير إقليم متجانس عرقياً (التطهير العرقي). لكن بعض فقهاء القانون، فضلاً عن المنظمات الحقوقية، يعترضون على إطلاق لفظة التطهير العرقي على السياسات التي تنتهجها المؤسسة الرسمية الإسرائيلية بمواجهة الفلسطينيين لما تحمله مدلولات سياسية أكثر منها حقوقية، ويبررون ذلك بعدم احتواء القانون الدولي على نص يعرف التطهير العرقي. لكن هذا الادعاء يقوم على رفض الاعتراف بحقيقة انتهاج إسرائيل لسياسة تطهير عرقي بحق الفلسطينيين بصفتها "دولة ديمقراطية".
[يعاد نشره ضمن اتقافية شراكة وتعاون بين "جدلية" و"حوليات القدس"]
: هوامش