تم ضم "مجتمع" "بدو النقب" رسمياً إلى الدولة اليهودية، حيث حصلوا على المواطنة الرسمية خلال العامين 1949 – 1950، إلا أنهم ظلوا كما يبين سبيرسكي "صوراً لمواطنين". فضمن الإشتباكات البنيوية في الجسد الإستعماري، أدى التفاعل البدوي مع المجتمع الإستيطاني إلى إخضاع البدو إلى مختلف سياسات التجزئة والتلاعب بالهوية. فالمجتمع البدوي تعرض لما تعرض له بقية المجتمع الفلسطيني من عمليات إحتلال ثم إحلال، أنتجت أقلية هامشية ضمن الدولة (!) الإثنية المركزية، تلك الأقلية تعرضت لأنماط مختلفة من عمليات التهميش الجغرافية والإقتصادي والسياسي والمجتمعي، لضمان ديمومة الخطاب الإسرائيلي في شأن ذلك المجتمع المُستعمَر، وما ينتج عنه من علاقات قوى، وذلك ضمن إتجاهين يتم تصديرهما مركزيًا و طرفيًا:
1. أدى صَك مسمى "بدو النقب" وليس "مجتمع بدو النقب"، إلى قطع الروابط التاريخية والاجتماعية التي لطالما ربطت ذلك المجتمع بامتداده العضوي في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسيناء المصرية، وباقي الجماعة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وبالتالي فإن استخدام هذا المصطلح إنما يأتي ضمن أدبيات الخطاب الصهيوني في التعامل مع الهوية الفلسطينية ضمن إستراتيجيات التجزئة، والتي تضمن إنتاج"حقيقة" خاصة بالسلطة، يمكن زرعها تدريجياً في عقل المستعمر.
وبالتالي بات من أبرز أوجه الإستلاب –المركب والسيّال - الواقع على "المجتمع البدوي" في النقب، يتم بمجرد تناول هذا المجتمع خطابيًا (فلسطينيًا وعربيًا، وليس إستعماريًا إسرائيلياً فقط) ضمن إطار ووفق مفاهيم: الحداثة والتحضر والمدنية، المعولمة.
وبالتالي نجد في نظرتنا له، وهي النظرة الحداثية في جذرها فصل حداثي/مديني له عن قاعدته العربية والفلسطينية. وهو ما يجعل المصطلح المستخدم هو: "بدو النقب" وليس "مجتمع بدو النقب" لما في المصطلح من هندسة وتحيزات وعلاقات قوى أسست لها "الدولة الإحلالية" الإسرائيلية (إثنيًا) ضمن آلية الإحلال اللغوي للآخر المستَعمر (تمامًا كما حدث مع مصطلح "النكبة")، وقبلنا نحن صك ذلك المصطلح في لغتنا التي نستخدمها لوصف واقعنا و إدراكه والتعامل معه.
2. بشكل متعاكس سياسيًا وديموقراطيًا (وكما سيتضح لنا "تنمويًا")، تم اعتبار النمو المتسارع للجماعة البدوية في منطقة النفب جزءً من الخطر الفلسطيني والعربي جغرافياً وديموغرافياً، والذي يهدد الدولة (!) اليهودية (!). وهو خطاب شائع تم التعبير عنه أكاديمياً في أعمال "سوفر" عام 2007، كجزء من الغسيل الخطابي أكاديميًا للبنية العنصرية للمؤسسة/ الدولة على الأرض.
ولأن بنية الجسد الاستعماري ومجتمعه الإستيطاني يقومان على هدفين أساسيين: الأرض والديموغرافيا، فقد بات البدو يشكلون عائقًا كبيرًا للنظام "الإثنوقراطي الإسرائيلي"، وأمام نهم المؤسسة الاستيطانية لتهويد كامل الفضاء الفلسطيني، والقضاء على عروبته، فقد اتحدت البنية الاستيطانية مع البنية الحداثية المتوحشة للدولة (بعد نكبة 1948) ضد الفرد والإنسان، في خطاب يعمد إلى تقديم المجتمع البدوي في مراوحته الدائمة في مقاومة الأسرلة على أنها رديف لمقاومة التحديث والتنمية، وليس الإحتلال ثم الإحلال، وهو ماتوضحه الإثنية الإحلالية الفاضحة في بنية التنمية الحداثية إستيطانياً، إذ يقول وزير الإسكان زئيف بويم، في بئر السبع في الرابع من حزيران/يونيو 2006:
"مانطلبه منكم بسيط: فقط أن تلتزموا بالقانون، إذا فعلتم ذلك، فكل فرد سيستفيد: ستكون لكم مدن مخططة جيداً وذات خدمات جيدة ومعترف بها. وسوف نحتفظ بآخر قطع الأرض الفارغة من أجل الشعب اليهودي في كل أنحاء العالم، وبخاصة الذين ظلوا هناك في الإتحاد السوفييتي السابق مؤقتًا من أجل يوم الضيق"
وهنا نجد أن رمزية الأرض بما تمثله لدى البدوي/الفلسطيني الموجود تم إقتصاصها وإحترازها لليهودي الغير موجود، ضمن خطاب دولة تدعي الديموقراطية تجاه كل مواطنيها. لذا نجد أن تغييب القرى البدوية من منظور التنمية الحداثية للدولة إنما هو أداة لتفريغ المكان الفلسطيني لإتمام عملية الإحلال إجرائيًا ومؤسساتيًا. فتجميع البدو في "مدن التطوير" قد اتسم بالفقر والمهانة الإجتماعية، وقد أصبح البدو في نظر نظام الدولة/المؤسسة بعد نفي/عدم اعتراف بكيانهم القروي "غزاة لأرض الأجداد" و"عقبات أمام عمليات التنمية"، وهو من حيث القمع والبطش لا يختلف من حيث البنية العقدية لدولة الإحتلال عما حدث قبل العام 1948 من عمليات تطهير عرقي في تلك المنطقة تحديداً إلا في كونه يتم بمنطق حداثي سيال وهو "التنمية"، وإلا فما الفارق بين طرد 80 – 85% من العرب خارج حدود فلسطين خلال عام 1948 – 1948 ، ومشروع برافر إذ يقضي -مخطط "برافر–بيغن"- بتهجير 40 ألف فلسطيني والاستيلاء على أراضيهم البالغة مساحتها نحو مليون دونم في صحراء النقب التي تشكل نحو ثلثي مساحة فلسطين التاريخية وذلك بحجة تجميع البدو وحماية "أرض الدولة" من الغزو. كما يهدف إلى تركيز أهالي النقب الأصليين في "غيتوهات" دون مقومات حياة حقيقية، ولذا يعتبر أسوأ من المخططات الكولونيالية، ويعد "نكبة" ثانية للشعب الفلسطيني.
وبفضل الزيادة الطبيعية العالية جدًا يعيش في النقب اليوم نحو 180 ألف نسمة رغم أنهم عددهم كان 12 ألف نسمة فقط عام 1948 بعدما هجرت إسرائيل نحو 100 ألف نسمة منهم وقتها.
إن تلك السيرورة الحداثية للبنية الكولونيالية من إحلال مباشر إلى تنمية "إحلالية" متدرجة، هو ما أدى إلى تحول إزدواجية "الأرض/ الديموغرافيا" إلى "قهر الأرض الخراب/تهويد الهوامش"، وهو نتاج طبيعي لدولة إثنوقراطية عنصرية.
[قائمة بأسماء القرى الغير معترف بها]