[تأليف: أ.د.لاسلو بروست* ترجمة وتقديم وتعليق: د.عمرو عدلي]
تمر المنطقة العربية اليوم بوضع يشبه كثيرا شرق ووسط أوروبا في نهاية الثمانينيات عندما تساقطت الأنظمة الشيوعية تساقط الأوراق في الخريف، فمع انهيار جدار برلين في 1989 انهارت الأنظمة المستبدة في تشيكوسلوفاكيا والمجر ورومانيا وبلغاريا ثم الإتحاد السوفيتي ذاته، وغمرت موجة من التحول الديمقراطي هذه البلدان خلال سنوات التسعينيات، ومما لا شك فيه أن التحولات الكبيرة التي تشهدها مصر والعالم العربي تغري بعقد المقارنات مع التجارب السابقة لانهيار الأنظمة التسلطية والتفاصيل الدقيقة الخاصة بنقل السلطة، وما تلاها من لحظات تاريخية فارقة رسمت ملامح النظام الجديد ودرجة ديمقراطيته وفرص استمراره وترسخه، وفي هذا السياق، تقف دول شرق ووسط أوروبا كحالات تستحق الدراسة بتأن وتدقيق حيث وقع انهيار مفاجئ وجماعي للأنظمة الشيوعية نتيجة لائتلاف ظروف دولية وداخلية اقتصادية وسياسية. وثمة تشابه كبير بين ما يجري اليوم في مصر وتونس وما حدث بالأمس البعيد في شرق أوروبا من نواح أربع:
أولها: إن انهيار النظم الشيوعية المستبدة قد أتى على إثر حراك جماهيري واسع تلقائي وغير منظم لا تعكسه أية منظمات سياسية أو أحزاب بعد عقود طويلة من القمع وعدم التسييس، ومن ثم فإن الموقف اليوم في مصر وتونس ليس استثناء على الإطلاق حيث سبق الشارع التنظيمات السياسية دون أن يهدد ذلك مستقبل التحول الديمقراطي. فعلى سبيل المثال لم تتجاوز نسبة المواطنين البالغين المنضمين لتنظيم سياسي ما 1% فحسب في المجر عند انهيار النظام الشيوعي.
وثانيها: إن انهيار الأنظمة التسلطية في شرق ووسط أوروبا جاء في فترة قصيرة ومتقاربة لا تتعدى السنتين، فقد بدأ التغيير ببولندا حيث نجحت حركة التضامن النقابية في إجبار النظام الحاكم على إشراكها في الحكم من خلال أول انتخابات حرة جزئيا في إبريل 1989 أسفرت عن فوز كبير لحركة التضامن التي نالت ولأول مرة اعترافاً رسمياً بوجودها، وشجع ذلك حراكاً شعبياً في دول أخرى لم يكن بها تنظيمات أو حركات شعبية منظمة خلافا لبولندا، فبدأ حراك جماهيري في المجر ثم تشيكوسلوفاكيا شارك فيه عمال وطلاب ومثقفون. على أن التغيير الأكبر كان بسقوط جدار برلين وما أعقبه من خروج مئات الآلاف من الألمان في مدن ألمانيا الشرقية في خريف 1989 بادئين بذلك طوفانا من التغيير انجرف أمامه النظام الشيوعي، وتبع ذلك انتفاضة شعبية ضد نظام تشاوتشيسكو في رومانيا فانهيار الأنظمة السياسية في بلغاريا وألبانيا.
ثالثها: نشأ أغلب النظم الديمقراطية هناك في أعقاب فترات انتقالية تم فيها التفاوض والإتفاق على قواعد نقل السلطة من هياكل السلطة القائمة أو النظام القديم إلى المعارضة الناشئة. وفي جميع تلك الحالات كان التفاوض حول قواعد نقل السلطة هو ما حدد ملامح النظام الديمقراطي التي تلا الأنظمة اتلسلطية. فعلى سبيل المثال تشكلت الملامح الأولى للنظام الديمقراطي في بولندا بعد عقد مفاوضات "المائدة المستديرة" بين حركة التضامن المعارضة Solidarity وممثلي النظام الشيوعي والتي أفضت إلى عقد انتخابات حرة في 1989 أسفرت عن فوز كاسح للمعارضة.
ورابعها: إن جوهر التفاوض في المرحلة الانتقالية في شرق ووسط أوروبا كان الإتفاق على وضع قواعد قانونية ودستورية أساسية تضمن إنتاج سلطة منتخبة ديمقراطياً تتمتع بشرعية التأييد الشعبي من خلال انتخابات حرة ونزيهة. وهي اللحظة التاريخية المفصلية التي ستحدد بدورها خطى إنشاء النظام السياسي الجديد ودرجة ديمقراطيته وشكله المؤسسي ومن ثم قوته ورسوخه وقدرته على الإستمرار. ويظهر لدينا جليا أن حالات التحول في وسط أوروبا تضمنت إطلاق الحريات والحقوق السياسية الأساسية قبل الإنخراط في وضع القواعد المنظمة لنقل السلطة من خلال الإنتخابات. ومما لا شك فيه أن إرساء هذه الحريات والحقوق يقلل من عدم اليقين بين كافة الأطراف المقبلة على التنافس في أول انتخابات تعددية بعد عقود من الاستبداد. ومن ثم يقلل كذلك من مخاطر الردة إلى السلطوية أو الدخول في صراعات أهلية كما ينسجم ذلك مع الفكرة الأساسية القائلة بأن ثورة شعبية ضد الاستبداد لا يمكن أن تعني إلا رغبة شعبية في الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان على اعتبار أن استبدال نظام سلطوي بآخر خيار غير عقلاني.
ولعل هذا هو ما يغيب عما يجري في مصر اليوم حيث نجحت ثورة 25 يناير في تقويض أسس نظام السادات/مبارك (1974-2011) والذي كان قائما على الحزب الوطني كأداة للسيطرة على السلطة التشريعية والمجالس المحلية من ناحية، وجهاز أمني قمعي يسيطر على أحزاب المعارضة الشكلية والجمعيات الأهلية والتنظيمات الطلابية ووسائل الإعلام المستقلة وغيرها من ناحية أخرى. ولكن انهيار نظام مبارك بتنحيه في 11 فبراير لم ينقل سلطة الدولة إلى المعارضين أو المحتجين بل انتقلت السلطة إلى القوات المسلحة، والتي وقفت تمثل الدولة المصرية كجهة وسط ضامنة للانتقال السلمي للسلطة على أساس ديمقراطي. ولم يشارك المجلس العسكري القوى السياسية والاجتماعية المختلفة إدارة المرحلة الانتقالية بل انفرد بتحديد ملامح النظام القادم من خلال وضع القوانين المنظمة للأحزاب والانتخابات وممارسة العمل السياسي، وفرضها فرضاً على القوى السياسية التي من المنتظر أن تنتج أول برلمان منتخب بموجبها. ناهيك عن غياب أي حوار وطني حقيقي حول الحريات والحقوق الأساسية التي من المفترض الاتفاق عليها وإرساء أسسها قبيل الشروع في نقل السلطة. وهو الأمر الذي كان من شأنه أن يقلل من المخاطر وعدم اليقين الذي يكتنف عملية التحول الديمقراطي في مصر حيث سيتم نقل السلطة قبل كتابة دستور يضمن الحريات والحقوق التي من أجلها قامت ثورة شعبية في المقام الأول.
أزمة النظام الإشتراكي في المجر
كانت الأوضاع الاقتصادية والسياسية في الكتلة الشيوعية آخذة في التدهور بصورة كبيرة في نهاية الثمانينيات. ففي المجر عانى نظام كرولي جروز رئيس الوزراء الجديد آنذاك من عدم الاستقرار منذ البداية، وبدا واضحا أن إدارته الجديدة والتي تولت مقاليد الحكم في مايو 1988 وسعت للمحافظة على الأمر الواقع كما هو، لم تكن قادرة على إعادة الأمور إلى نصابها. على أن الإشكال كان غياب أيّة قوة واضحة المعالم قادرة على إزاحة النظام القائم بضربة واحدة كما وقع في ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا.
أسهمت التغييرات الجذرية في السياق الخارجي خلال الثمانينيات في تقويض أسس النظام الاشتراكي في المجر كغيرها من دول الكتلة الشرقية، خاصة مع صعود التيار الإصلاحي في الإتحاد السوفيتي تحت قيادة ميخائيل غورباتشوف، والذي عمد خلافاً لأسلافه من قادة الاتحاد السوفيتي إلى عدم التدخل في دول حلف وارسو لوأد أي تغيير سياسي فيها يحيد عن النموذج المفروض من قبل موسكو. وقد أسر فريق غورباتشوف عن عدم رغبته في الإخلال بالسلام الاجتماعي في المجر في حال التغيير، وأنه كان يرى للاستقرار في بلدان شرق أوروبا أولوية على الولاء للاتحاد السوفيتي.
وكان ثمة معلم أساسي آخر قد ميز أحداث التحول السياسي في المجر بين 1988 و1989 فبينما زادت استقلالية وسيادة البلاد في مواجهة التدخلات الآتية من الخارج، خاصة من موسكو، وصلت استقلالية المجر الاقتصادية إلى أدنى مستوياتها حيث زادت مديونية البلاد بشكل ملحوظ لمقرضين غربيين قدموا قروضاً وسط تزايد احتمال عجز المجر عن خدمة الدين العام، وهو ما دفع المقرضين الغربيين إلى ربط استكمال تمويلهم للاقتصاد المجري بإحداث تغييرات في السياسات الاقتصادية. فخلاصة الأمر إن المجر باتت خاضعة لضغوط متصاعدة من الشرق والغرب تدفع باتجاه التغيير السياسي. فمن الشرق ضغط غورباتشوف لإنجاز إصلاحات سياسية تحول دون أزمة مجتمعية بينما دفع المقرضون من الغرب إلى تغييرات هيكلية في الاقتصاد بما لذلك من تداعيات على البنية السياسية للبلاد.
كما اجتمعت جملة من العوامل الداخلية للتغيير كتفكك تركيبة الدولة-الحزب مما ترتب عليه حدوث خلافات معلنة في أوساط النخبة السياسية والاقتصادية. وقد أسهمت التغيرات في الوضع الاقتصادي الخارجي والتي أسلفنا ذكرها في تفاقم مشكلات الدولة-الحزب حيث عانت هذه البنية من الكثير من عدم المرونة والتصلب في إدارة النظام الاقتصادي المجري في خضم أزمة متصاعدة. ولم تفلح السياسات المتعاقبة والمتضاربة من تحرير للاقتصاد وإقرار إجراءات اللامركزية ثم العودة للمركزية في فترات متقاربة إلا في زيادة وضع الاقتصاد سوء. وقد تصاعد التوتر الداخلي إثر نضوب الموارد الخارجية اللازمة لإبقاء الاقتصاد القومي على قدميه. ومما زاد من هذا التوتر أن الأزمة جاءت في إطار نظام ينتظر فيه جميع الفاعلين الاقتصاديين نصيبهم من الموارد من قبل الحكومة المركزية. على أن عملية إضعاف الدولة-الحزب كانت قد بدأت منذ فترة بعيدة تعود إلى إعادة بناء النظام الشيوعي في المجر إثر انتفاضة 1956 حيث عمد أمين عام الحزب الشيوعي المجري آنذاك، جانوس كادار، إلى الحياد عن النموذج الستاليني للدولة المدمجة في الحزب، وذلك من خلال إنشاء نظام سلطوي رخو يعتمد في الإبقاء على سطوته على توفير قدر من الرخاء الاقتصادي للقوى الإجتماعية الفاعلة. وتمخض عن ذلك تحويل البنية الهرمية للنظام إلى إطار موسع من المقايضة بين قوى مختلفة حول توزيع موارد الدولة. وهو ما جعل التفاعل خارج السيطرة بصفة عامة بما في ذلك سيطرة قمة الهرم في الحزب حيث باتت قواعد توزيع الموارد العامة لا تتحدد من قبل مركز السلطة بل عبر "إقطاعيات" موزعة على أساس مناطق وقطاعات في الاقتصاد فيما يشبه نظاما إقطاعياً فوضوياً من العصور الوسطى تتحدد فيه نتيجة توزيع الموارد بعد صراعات وتحالفات محلية متغيرة. وهو ما جعل النظام عرضة للإنهيار عندما جفت الموارد الحقيقية ولم يعد محلا للمقايضة سوى الخسائر المراد توزيعها بين المستفيدين في النظام.
وعلى الرغم من أن مشكلات هذا النظام بدأت تتكشف منذ بداية النصف الثاني من السبعينيات في صورة صعوبات اجتماعية واقتصادية متزايدة، إلا أن قيادات الحزب الشيوعي الحاكم فضلت الإبقاء على النظام كما هو والسعي لتحقيق نمو اقتصادي بدلا من إحداث تغيير في هيكل الدولة-الحزب في سبيل تقوية النظام السلطوي على غرار ما كان واقعا في رومانيا زمن تشاوتشيسكو، وهو ما فشل فيه النظام الشيوعي في المجر. وهكذا، بحلول نهاية 1988 كان الوقت قد فات بالفعل لمحاولات المحافظين في الحزب الشيوعي وقف عجلة الإصلاح وتعطيل التحول السياسي حيث كان الظرف غير موات حتى داخل الحزب لحاكم الذي كانت بنيته قد تقوضت. ومما زاد الطين بلة أن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية تزامنت مع تزايد في حدة الانقسامات والصراعات داخل النخبة الاقتصادية والسياسية فعلى سبيل المثال نشب صراع حاد بين رؤساء الشركات الكبرى، المملوكة للدولة، والمعروفين "بالبارونات الحمر" والحكومة في أوائل الثمانينات. وكذا الحال بين التكنوقراط داخل الجهاز الحكومي ضد الحزب الحاكم لتدخله المستمر في الإدارة، ويضاف إلى ذلك الانقسام داخل الحزب ذاته بين الجناحين الإصلاحي والمحافظ.
وقد أسهمت الانشقاقات في أوساط النخب الحاكمة في توفير الشرط الثاني للتحول السياسي ألا وهو إنشاء تحالف غير رسمي بين الجهات الإصلاحية في النظام الشيوعي وقوى المجتمع المدني المنظمة. وهو لقاء بين قوى أثرت بشكل جوهري في مسار التغييرات منذ 1987 حيث نوقشت حلول عديدة ومختلفة للخروج من الأزمة من قبل اقتصاديين إصلاحيين، ممثلين عن كتاب شعبيين، وزعيم الجناح الإصلاحي داخل الحزب الحاكم إمري بوسجاي وعدد صغير من المعارضة الديمقراطية خلت من زعماء الصف الأول. وقد أسهم هذا الاجتماع بشكل أساسي في تشكيل اللقاء الديمقراطي المجري، وقد لعب هذا التحالف غير الرسمي بين الإصلاحيين وإرهاصات المعارضة في توسيع الحقوق السياسية وفي بدء مسار التفاوض من أجل تغيير النظام السياسي القائم آنذاك. لكن خيار التفاوض لم يستقر كخيار أخير للجميع إلا بعد تطورات سياسية متتابعة بين 1988 و1989.
كان الشرط الثالث للتحول السياسي هو تحرك المجتمع المدني لانتزاع الحقوق السياسية من النظام السلطوي الحاكم. فمنذ مطلع 1988 أسست أعداد متزايدة من الحقوقيين وعلماء الإجتماع والمؤرخين والفلاسفة والفنانين الكثير من الجمعيات السياسية المستقلة. وقد لعبت هذه الجمعيات دورا أساسياً في الدفاع عن الحقوق السياسية بتفعيلها لحقوق مضمونة قانوناً من الناحية النظرية، ولكنها لم تكن تمارس من قبل في شرق أوروبا. وقد اضطلعت هذه الجمعيات بالدور الأكبر في مواجهة مساعي النظام الشيوعي المتكررة لتقييد هذه الحريات والحقوق. وقد مكنت هذه العلاقات غير الرسمية المعارضة من اتخاذ موقف موحد في مارس 1989 والذي تمثل في إنشاء المائدة المستديرة الخاصة بالمعارضة.
خريطة القوى السياسية عشية التحول الديمقراطي
في بداية 1988 صعدت مجموعة من الجناح المحافظ من الحزب الإشتراكي المجري الحاكم وكثفت من مساعيها للحفاظ على النظام دون تغيير إلا أن ثقة أعضاء هذه المجموعة في أنفسهم سرعان ما تعرضت لهزة عنيفة في نهاية السنة ذاتها مع تعضد سلطة غورباتشوف وجناحه الإصلاحي في الاتحاد السوفيتي. ومما زاد الطين بلة استمرار التدهور الاقتصادي غير المسبوق في السنين الأخيرة من الثمانينيات حيث أتت النتائج الاقتصادية لسنة 1988 بكارثية السنين القليلة التي سبقتها حيث انخفض لأول مرة معدل الاستهلاك الفردي منذ الخمسينيات.
في خضم هذه الأزمة الاقتصادية تنامت المعارضة غير الرسمية للنظام الشيوعي القائم. وقد جاءت مظاهر المعارضة هذه متسقة مع القانون المجري ومتمتعة بكافة أشكال الشرعية بما في ذلك إنشاء منظمات سياسية معارضة، وتشكيل منظمات شباب ونقابات عمالية مستقلة بل وإنشاء نوى لأحزاب سياسية. كما أسبغ القانون المجري بعض الشرعية على المظاهرات والإحتفاليات الجماهيرية والإضرابات العمالية التي نالت ولأول مرة تغطية إعلامية كبيرة- أي كافة الأعمال التي كان من شأنها تهديد النظام الشيوعي القائم آنذاك، وهي حقوق سياسية كفلها نظريا النظام الشيوعي ولكن لم يكن من المتخيل أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه الجمهور أن يتحرك جدياً لتفعيل حقوقه السياسية النظرية.
سعى المحافظون في أوساط النظام الحاكم إلى سد الثغرات الموجودة في القانون المجري لاحتواء الحراك السياسي، وهو ما تبدى سريعا في المسودة الأولى لقانون الجمعيات الذي ينظم عمل الجمعيات الأهلية والإتحادات والتنظيمات وغيرها من البنى الاجتماعية الأساسية للتنظيم. إذ تم فرض قيود شديدة ومتعددة تهدف إلى تجميد نشاط الجمعيات السياسية والحد منها، وكذا الأمر مع قانون الإضرابات. ولكن تفاقم الأوضاع وتصاعد وتيرة الاحتجاج حالا دون قبول صيغ قانونية أكثر تشددا. وبات واقعا أن على الأطراف المحافظة في النظام الحاكم ضبط المعارضة وليس قمعها، ففي فبراير 1989، تبنت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم قراراً بإنشاء نظام تعدد حزبي. وكان هذا القرار نابعاً من إرادة الحزب ذاته. وقد جاءت هذه الخطوة لعاملين إثنين أحدهما استجابة لمقتضيات التحول في السياسة الخارجية والثاني لنجاح تحركات زعيم الجناح الإصلاحي في الحزب الحاكم إمري بوسجاي حيث نجح في تعبئة تأييد شعبي للمطالبة بمزيد من الحريات السياسية. وذلك عن طريق استحضار ثورة 1956 في ذاكرة الشعب المجري، وهي الانتفاضة الشعبية العارمة التي اندلعت في 1956 ضد الحكم الشيوعي المدعوم من قبل موسكو وانتهت بغزو سوفيتي واسع للمجر وقمع للجماهير بالقوة العسكرية وإعادة تثبيت نظام موال لموسكو. وكان استدعاء هذه التجربة المهمة في ذلك التوقيت داعماً لموقف الإصلاحيين في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. وعلى الرغم من ذلك فإن الجناح المحافظ احتفظ بحلول معدة سلفاً تسعى لتفريغ الحريات السياسية من أي مضمون ومن ثم الإبقاء على هيمنة الحزب الشيوعي على الحياة السياسية في المجر.
بات المحافظون في الحزب الحاكم يتبعون إستراتيجية ذات شقين، وهو ما بدا جليا في اجتماع اللجنة المركزية في فبراير 1988. فمن ناحية سعوا إلى إعاقة واستبعاد أي قانون قد يوفر غطاء شرعياً للتنظيم السياسي للمعارضة. ومن ناحية أخرى سعوا إلى تمرير كافة القوانين عبر البرلمان التي من شأنها حفظ أكبر قدر من السلطة للحزب الحاكم..بيد أن هذه الإستراتيجية لم تفلح كثيراً إذ أن المعارضة صعدت من هجومها على الحكومة والحزب الحاكم والبرلمان بشأن قلة الأفكار المطروحة وضيق الوقت المتاح للنقاش داخل أروقة الحزب نفسه على نحو حمل البرلمان، وهو الجهاز الذي طالما كان دمية في يد الحزب الحاكم، على التذكر ففاجأ الحكومة غير مرة بعدم التأييد خلال شهري فبراير ومارس.
هذا على جانب السلطة، أما على الجانب الآخر فقد نجحت المعارضة في وضع أسس للحوار فيما بين مجموعاتها من خلال إرساء أطر لمائدة مستديرة تضم أطياف المعارضة المختلفة في مارس 1989، ومثل ذلك فشلا لمساعي الحزب الحاكم الرامية إلى تقسيم المجموعات المعارضة من خلال محاولة فتح حوارات منفصلة مع كل حزب من المعارضة على حدة في إطار إستراتيجية "فرق تسد." ودعت مائدة المعارضة المستديرة إلى مفاوضات ثنائية مع السلطة الحاكمة وأعلنت رفضها لأية تشريعات من شأنها إهدار فرص عقد انتخابات برلمانية حرة تكون بابا لإعادة تشكيل النظامين السياسي والاجتماعي. وأعلنت استعدادها فحسب للتفاوض حول مضمون قوانين من شأنها أن تسمح بعقد انتخابات حرة. وقد أتى رد فعل الحزب الشيوعي الحاكم على هذه المبادرة بإعلانه قبول التفاوض من حيث المبدأ ولكن مع رفض مطالب المعارضة بعقد انتخابات حرة، وكان ذلك من أجل إبطاء وتيرة التغيير، وطرح الحزب الحاكم اقتراحات مقابلة قلصت من دور المعارضة في المفاوضات على نحو يضمن استمرار الموقع المهيمن للحزب الشيوعي الحاكم، وهو ما قوبل مجددا بالرفض من قبل المعارضة.
كيف اختارت القوى السياسية طريق التفاوض؟
على أن الوقت لم يكن في صالح الحزب الحاكم، ففي خلال الشهرين الأولين من 1989 أخذ الصراع السياسي شكل نزاع حول شرعية كل من الحزب الحاكم والمعارضة الناشئة. فبداية طعنت أحزب المعارضة في شرعية البرلمان والحكومة والحزب الحاكم ذاته، بينما رد الحزب الشيوعي بالطعن في شرعية المعارضة ومدى تمثيلها للإرادة الشعبية. وتلا ذلك في الجولة الثانية من التفاوض طعن المعارضة في شرعية الطرف الثالث وهو الذي تكون من جمعيات سياسية أسسها الحزب الحاكم باعتبارها مستقلة ودعاها لمائدة الحوار.
من ناحيتها لم تدع المعارضة قط أنها تمثل الشارع أو الجمهور، بل شددت على أن غياب الشرعية هو جوهر الإشكال السياسي القائم في المجر وقتذاك وكان الغالب على خطاب الأحزاب والمجموعات المعارضة أنها لا تمثل أحداً بخلاف نفسها مباشرة، وأنها لا تملك الشرعية لتمثيل المجتمع وأنه ما من أحد يتمتع بصلاحية للحديث باسم الشعب. وعلى الرغم من أن الجولات الأولى من التفاوض كانت شبيهة بالمصارعة في حوض من الطين حيث سعت الأطراف جميعا لتلطيخ مظهر بعضها البعض بدعوى عدم الشرعية، فإن هذا الظرف ولسخرية القدر انعكس إيجاباً على التحضير للجولة الثانية للمفاوضات على المستوى القومي والتي تناولت وضع القواعد اللازمة لعقد انتخابات حرة. حيث بدا جلياً لشتى الأطراف أن طرفا واحداً من النظام أو المعارضة يملك سلطة شرعية في وقت كانت المجر تنزلق فيه وبشكل متسارع نحو فوضى اقتصادية،وفي هذا السياق لم يكن من بد من إنشاء سلطة شرعية أولاً كحل لأزمة الشرعية تلك، وهو ما لم يكن ممكناً دون عقد انتخابات حرة.
لم يكن هناك إمكانية لبدء التحول الديمقراطي بناء على صفقات بين السلطة والمعارضة وهو ما كان سيعيد إنتاج إشكالية فقدان الشرعية على نحو يجعل تدارك الأزمة الاقتصادية والسياسية أمراً مستحيلاً. وقد كانت المفاوضات المبكرة قد تناولت كافة الجوانب ذات الصلة بعقد انتخابات حرة ونزيهة تتيح فرصة متساوية لكل الأطراف المتنافسة، وكذلك إتاحة حرية تداول المعلومات كي تصل إلى الناخبين. كما لم يكن من الممكن أن تتناول أية مفاوضات موضوعات أخرى تحيد عن تسليم البلاد لسلطة برلمان منتخب.
وعندها بدأت مفاوضات المائدة المستديرة على المستوى القومي ضامة للحزب الشيوعي الحاكم والمعارضة. وتخللت المفاوضات مراسم إعادة دفن رفات إمري ناجي، أحد قائد انتفاضة 1956 البارزين. وهو حدث احتشد من أجله مئات الآلاف من المجريين على نحو أظهر التعبئة المعادية للنظام الموالي لموسكو. وبعد مرور ستة أيام فحسب على هذه المراسم قبل الحزب الشيوعي الحاكم بمقترح المعارضة من عدم نظر البرلمان القائم في الموضوعات محل المفاوضة لحين التوصل لاتفاق نهائي. وتعهد كذلك بفعل كل ما بوسعه لضمان موافقة البرلمان على ذلك الاتفاق. وفي المقابل نال الحزب الحاكم موافقة المعارضة على ضم أطراف ثالثة للمفاوضات تمثلت بالأساس في منظمات أنشأها الحزب الحاكم كالنقابات الرسمية مع منح الطرف الثالث صلاحيات أقل مقارنة بالحزب الحاكم والمعارضة.
فما هي العوامل التي دفعت ممثلي السلطة الحاكمة للتفاوض على إجراءات عقد انتخابات حرة لأول مرة في تاريخ المجر منذ الحرب العالمية الثانية؟ كانت هناك عوامل مختلفة، فمن ناحية كان موقف المعارضة الموحد سبباً في إقناع الحزب الحاكم أنه خلا الجمعيات التي أنشأها هو بنفسه لن يكون له شركاء حقيقيين في مفاوضات ذات معنى. وهو ما لم يكن ليتحقق دون عقد انتخابات حرة تفرز سلطة تتمتع بالشرعية. ومن الناحية الواقعية كان الجناح الإصلاحي من الحزب الشيوعي الحاكم هو من قاد الإتجاه للتفاوض مع المعارضة،.بينما لحق به الجناح المحافظ على مضض. وقد تحدد مضمون وسرعة المفاوضات فيما بعد بناء على تغير توازن القوى داخل الحزب الحاكم ذاته بين الأفرع المحافظة والإصلاحية.
وبدأت الظروف تتغير لصالح الجناح الإصلاحي في الحزب الشيوعي الحاكم، فعلى الرغم من نجاح المحافظين المبدئي في إبطاء وتيرة التفاوض كان موقفهم قد أضعف للغاية بحلول الصيف. وتلا ذلك نزع ما تبقى للمحافظين من أدوات قوة عند انعقاد المؤتمر العام للحزب الحاكم في أكتوبر 1989. حيث شعر المحافظون بعزلة مطبقة بسبب التعاون غير الرسمي بين الإصلاحيين والمعارضة خلال المفاوضات، وإن بقى مضمون هذه المفاوضات سريا ومحجوباً عن الجمهور باستثناء بعض التسريبات والشائعات التي صدرت بالأساس من ائتلاف المعارضة.
وعلاوة على التعاون غير الرسمي بين الإصلاحيين والمعارضة انضم بعض البيروقراطيين الشباب إلى ذات الدوائر المناهضة للنظام القائم. وذلك لغلبة التذمر عليهم من تكرار تدخل الحزب الحاكم في شؤونهم بشكل مستمر. وقد أسهموا في الحد من قدرة الحزب على تعيين المدراء في الجهاز الحكومي، وهو إنجاز ظل مستعصيا على المعارضة البولندية الأكثر تنظيماً وتأثيراً حتى في خضم مفاوضات المائدة المستديرة. وبانتصاف سنة 1989، دفعت ذات القوى إلى اعتماد نظام جديد يقضي بسحب الثقة من الحكومة في البرلمان، مرسلين بذلك إشارة قانونية هامة للمعارضة بأن الحكومة لم تعد تريد الاعتماد على الحزب الشيوعي الحاكم.
كان المسمار الأخير الذي دق في نعش المحافظين بالحزب الشيوعي الحاكم هو التعاون بين الإصلاحيين داخل الحزب وهم الذين يحتلون مواقع عليا ودوائر ميالة للإصلاح أخذت تتشكل على مستويات أقل في الحزب ذاته. وقد أسهم تشكل هذه الدوائر الإصلاحية في تقويض قوة الحزب الحاكم على مستوى القاعدة، بل وأمست المعارضة تبذل جهداً كبيراً في إقناع منتسبي الحزب الحاكم بالبقاء في مواقعهم وعدم الانضمام لقوى المعارضة! فقد رغبت المعارضة في الإبقاء على هؤلاء في الحزب الحاكم لحين التوصل لاتفاق نهائي. وكانت رؤية المعارضة تتلخص في أن خروج هؤلاء الميالين للإصلاح من الحزب الحاكم في ذلك التوقيت سيترك المواقع التنفيذية الهامة في أيدي المحافظين، وهو ما كان ليضر كثيرا بالمفاوضات ككل.
تعليق: الدروس المستفادة من تجربة المجر
إن أوجه الشبه والمقارنة بين ما يجري اليوم في الشرق الأوسط وما جرى بالأمس في شرق ووسط أوروبا يستدعي عرضاً أكثر تفصيلاً لمجريات الأحداث في عدد من تلك الدول التي سبقت في خلع النظم التسلطية وإقامة ديمقراطيات مستقرة. وعرضنا في هذا المقال لتجربة المجر في التحول الديمقراطي (1988-1990). أتى انهيار النظام التسلطي في المجر في ظروف دولية ومحلية مغايرة لتلك التي تحيط بمصر اليوم. ورغم اختلاف طبيعة الأزمة الاقتصادية وبنية المجتمع المدني في الحالتين فإن النظر بعمق للتجربة المجرية يحمل فائدة أساسية لما يجري في مصر في جزئية القنوات المؤسسية التي يتم من خلالها إدارة الفترة الانتقالية ومن ثم وضع القواعد الحاكمة لأول انتخابات تعددية حرة تنتج عنها سلطة شرعية ومنتخبة. ففي المجر كان وعي النخبة الحاكمة بحتمية التغيير قوياً. وكانت لديهم الرغبة في الإستئثار بصياغة قواعد المرحلة الانتقالية على نحو منفرد دون تفاوض مع القوى المعارضة والتي كانت أصغر وأدنى من أن تمثل الشارع نتيجة عقود من عدم التسيس والقمع الأمني كما هو الحال في مصر. ولكن وحدة المعارضة في مخاض التحول، وبروز انشقاقات واضحة في الحزب الحاكم بين إصلاحيين ومحافظين مهدت السبيل أمام وضع إطار مؤسسي ومفعل للحوار الوطني أفضى لأول انتخابات حرة ومن ثم وضعت المجر على مسار التحول الديمقراطي.
وفي مصر لم تؤد الأزمة السياسية الطاحنة التي واجهها النظام ما بين 28 يناير و11 فبراير إلى انقسام الحزب الحاكم وذلك لأن الحزب الوطني لم يكن مركزاً للسلطة كما كان الحال مع الحزب الشيوعي في المجر. ولكن وقع بالفعل انقسام حاد بين نخبة الدولة الموروثة من عصر يوليو 1952 بين عناصر نظام مبارك من أعضاء الحزب الوطني والأمن وبين قيادة القوات المسلحة، وهو ما أفضى إلى اعتراف الأخيرة بثورة 25 يناير واتخاذها أساسا لتوليها شرعية الحكم. وأصبح الوضع في مصر انتقالياً شبيهاً بما وقع في المجر من حيث وجود إصلاحيين يتعاطفون مع الحراك المنادي بالديمقراطية في السلطة لا يتمتعون بشرعية مستقلة، ومعارضة لا تمثل الشارع الضاغط بالكامل. ولكن ماذا جرى بالفعل مع الحوار الوطني في مصر، وكيف تمت إدارة المرحلة الانتقالية؟
تعود أولى الدعوات لعقد حوار وطني إلى ما قبل التنحي عندما دعا اللواء/عمر سليمان بعض القوى السياسية ومن بينها الإخوان المسلمين للتحاور مع النظام، ولم يغن هذا الحوار عن نظام مبارك شيئا فأجبر على التنحي في نهاية الأمر. ثم تجددت الدعوة في عهد حكومة شفيق الثانية المكلفة من المجلس العسكري، وأسندت المهمة للدكتور يحيى الجمل. وأخذ الحوار شكل اجتماعات مع شخصيات عامة في مجلس الوزراء دون تحديد أسس اختيارهم أو موضوعات التفاوض أو أجندة الحوار أو الصلاحيات التي يتمتع بها مثل هذا الحوار وعلاقتها بوضع قواعد ضبط التحول الديمقراطي في مصر. ولم يلق هذا الحوار قبولاً واسعاً في وسائل الإعلام وبين بعض القوى السياسية فاستعيض عنه بحوار وطني آخر أسند فجأة للدكتور عبد العزيز حجازي. ومرة أخرى غابت أية معايير واضحة المعالم من حيث أسس دعوة الشخصيات للحوار أو أجندته أو صلاحياته فاشتعلت المواجهات في اليوم الأول، وخلط المؤتمر بين البحث العام في مستقبل مصر من خلال مناقشة قضايا كالبطالة والطاقة والمياه وبين تحديد القواعد الحاكمة للانتقال الديمقراطي،.وانسلخ عن هذا الحوار الوطني وفاق قومي كان يجري بالتوازي، ويعاني من عين المثالب التي ضربت الأول. ثم تلا ذلك انقطاع وسط غموض عن مستقبل الحوار الوطني ذاته. فخلاصة القول إن ما سمي بالحوار الوطني في الشهور الماضية في مصر افتقد لأدنى قواعد المؤسسية والاستدامة فشابه الكثير من الانقطاع، وافتقر لجدول أعمال واضح. بل ويمكن القول أنه افتقد للجدية كذلك حيث إن المجلس العسكري، وهو الجهة القابضة على السلطة الفعلية وليس الحكومة المؤقتة، لم يكن طرفا في الحوار. وعلاوة على ذلك لم تسند للحوار صلاحيات لرسم ملامح المرحلة القادمة، والتي ظلت رهنا بقوانين تصدر عن المجلس العسكري كما حدث مع قوانين مباشرة الحياة السياسية والأحزاب.
كان الحوار الوطني. كما نشأ في بلدان كالمجر، إطارا مؤسسيا محكوما بقواعد متفق عليها بين كافة التنظيمات السياسية المعارضة والجناح الإصلاحي من الحزب الشيوعي، والذي يمكن القياس عليه بالمجلس العسكري في الحالة المصرية. وكانت لهذا الإطار صلاحيات محددة مسبقاً لتبني أسس الممارسة السياسية الديمقراطية على نحو يفضي لسلطة شرعية تعبر عن إرادة الجماهير بشكل ديمقراطي تمثيلي، وهو ما يغيب عنا اليوم لغياب أي أفق لمأسسة الحوار الوطني فتنخرط القوى السياسية في محاولة تشكيل قواعد اللعبة من خلال الحملات الإعلامية والوقفات الاحتجاجية والدعوات لمليونيات في التحرير.
شهدت بولندا حركة احتجاجية منظمة خلال عقد الثمانينيات تمثلت في حركة التضامن بقيادة ليخ فاوينسا، وقد كان قوام هذه الحركة النقابات العمالية والكنيسة الكاثوليكية، ومع تصاعد الضغوط على النظام الحاكم في بولندا تم الإتفاق على عقد أول انتخابات تعددية تضم حركة التضامن المعارضة مع قصر التنافس على ثلث مقاعد البرلمان فحسب وعلى نحو يضمن أغلبية للحزب الشيوعي في الثلثين المتبقيين. وكانت تلك أول انتخابات تعددية حرة بشكل جزئي في أحد بلدان شرق أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
كانت سياسة الإتحاد السوفيتي قبل صعود غورباتشوف تستند إلى ما عرف بمبدأ بريجينيف والمنسوب إلى الأمين العام للحزب الشيوعي السوفيتي ليونيد بريجينيف (1964-1982)، وكانت تقوم على أساس التدخل السوفيتي المباشر في دول حلف وارسو في حال تعرضها لخطر داخلي يهدد الاشتراكية، وهو ما تجلى في غزو الاتحاد السوفيتي لتشيكوسلوفاكيا في 1968 لدعم النظام الموالي لموسكو ضد معارضيه.
كانت الدولة-الحزب هي الصيغة السياسية الغالبة على الدول الشيوعية حيث يتم دمج جهاز الدولة البيروقراطي في هيكل الحزب الشيوعي الحاكم، ويصبح أمين عام الحزب وأعضاء المكتب السياسي هم أصحاب الثقل السياسي الأكبر، والأكثر تأثيرا في إدارة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية.
جاءت ثورة يناير في مصر على وقع نمو اقتصادي مرتفع منتصف 2004 جاوز 6% سنويا وإن تماشى ذلك مع تزايد حدة الفقر في المدن والريف وتدهور مستويات المعيشة نتاجا لغياب قنوات لإعادة توزيع الثروة وتفشي الفساد، ومما لا شك فيه أن زيادة معاناة قطاعات عريضة من السكان كانت ذات صلة بالإصلاحات النيوليبرالية التي فرضها صندوق النقد والبنك الدوليان.
قارن ذلك بانقسام المعارضة المصرية المبكر أثناء الاستفتاء على تعديل الدستور في منتصف مارس الماضي.
[أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية والاجتماعية بالجامعة الأوروبية بفلورنسا-إيطاليا *]
[1989: THE NEGOTIATED REVOLUTION IN HUNGARY , By: Bruszt, Laszlo, Horvath, George K., Social Research, 0037783X, Summer90, Vol. 57, Issue 2]