30 آذار وثائقي/ 52 دقيقة من إخراج نضال بدارنة
بمبادرة هي الأولى من نوعها، قامت هيئات ثقافية من قرية عرابة البطوف وعلى رأسها المركز الثقافي البلدي بدعم إعداد فيلم وثائقي عن يوم الأرض، الذي شكّلت القرية واحداً من مسارحه التي تناثرت على عدة قرى في الجليل في شمال فلسطين المحتلة عام 1948.
[ينوّه أن غداة كتابة هذه المقابلة، وفي يوم 29 آذار 2013، توفيت الحاجة ندى نعامنة التي تقّص شهادتها في الفيلم عن دورها في مواجهة الجنود الإسرائيليين في بيتها في عرابة البطوف]
المخرج نضال بدارنة من عرابة البطوف، حدثّنا عن الوثائقي، فكرةً وعملاً وإعداداً.
حنين نعامنة: حدثّنا عن عملية البحث والدراسة التي سبقت الفيلم، وعن كيفية الوصول الى الشخصيات المختلفة وعن المواد التي شكّلت الفيلم في النهاية؟
نضال بدارنة:قمت بداية بتقصي أسماء الاشخاص اللذين اقترنت أسماؤهم بشكل مباشر بيوم الأرض الأول في القرى المختلفة، وتحديداً ديرحنا وعرابة البطوف وسخنين وكفركنا. في كل قرية حصلت على اسم أو اثنين من الأسماء المركزية ومن هناك بدأت. ومن خلال القصص التي رواها هؤلاء استطعت التوصّل إلى أسماء أخرى. وما ساعدني في ذلك هو أن هؤلاء الناس يتذكرون الأسماء والوجوه والتفاصيل بحذافيرها، وكأن الأحداث حصلت بالأمس. ومن المهم الإشارة إلى أنه لم يكن هناك مبالغة في روايات الناس عن الأحداث، كما أن الاشخاص اللذين تحدثوا في الفيلم لم يتحدثوا فقط عن أنفسهم وانما أشادوا أيضاً بالدور الهام لأشخاص آخرين في صنع يوم الارض، مما ساعدني أيضاً في تقصي أثر الاحداث، فكان أن قصة يرويها لي أحد الاشخاص، توصلني إلى قصص أخرى وإلى أشخاص آخرين. بالإضافة الى الذاكرة، فإن الناس ما تزال تحتفظ بالملابس المبقعة بالدم التي ارتداها الشهداء والجرحى في يوم الأرض وكذلك بأحجار كانت قد جمعتها من مكان الحدث، وكان مهماً بالنسبة لهم ولي عرض هذه الأغراض أمام الكاميرا والتحدث عنها.
بالإضافة إلى الشهادات الحيّة، الفيلم يُظّهر الكثير من الصوّر والصحف والفيديوهات التي قمت بجمعها من نشطاء سياسيين كانوا مدركين لأهمية الحفاظ على هذه الأشياء فحفظوها في أرشيفات شخصية. أما بالنسبة للفيديو فقد قمت بتجميع بعض المقاطع من الفيلم الأول الذي أُنجز عن يوم الأرض باخراج غالب شعث. إلا أنني لم أتمكّن من الحصول على مقاطع من التسجيلات التي قامت بها السلطات الإسرائيلية آنذاك، والمحفوظة في أرشيف التلفزيون الإسرائيلي لانه يكلف مبالغ تعجيزية لم نستطع دفعها بسبب الميزانية المتواضعة للفيلم. هذا الأمر تحديداً ترك لديّ مرارة تجاه غياب أرشيف يوثق تاريخنا. وقد جعلني أفكر بكيفية الحفاظ على الأغراض الشخصية للشهداء وللمصابين، وقصاصات الجرائد والصور وغيرها من الأشياء التي تتناثر مخبأة في بيوت الناس، غير معروضة في متحف يقص سيرتها وتكون متاحة للبحث والدراسة. للأسف، هناك إهمال شديد للذاكرة من قبل المجتمع الفلسطيني في الداخل، ويبرز هذا في الفيلم بالنسبة للشهيد من مخيم نور شمس في الضفة الغربية والذي استشهد أثناء الأحداث في قرية الطيبة. فهذا الشهيد كتب اسمه مغلوطاً على النصب التذكاري في القرية، دون أن يقوم أحد بالاهتمام بتصليحه. وقد أشارت والدته إلى المرارة التي تحملها منذ سنين بسبب هذا الخطأ، حتى أنها توجهت اليّ في الفيلم لتصليحه.
ح. ن: ما هي الصعوبات المركزية التي واجهتك في اعداد الفيلم؟
ن. ب: يفتتح الفيلم بمشهد نقوم فيه بتصوير أحد المدرّسين في مدرسة حكومية وهو يخبر عن شهادته كطفل رأى مجموعة من النسوة يحاولنّ بشدة فتح بوابة المدرسة لإخراج أطفالهم منها وذلك لإجبار إدارة المدرسة المفوضّة من الحكومة الإسرائيلية بالالتزام بالاضراب العام الذي أعلنته القيادة السياسية العربية آنذاك. وخلال التصوير، جاء أحد موظفي المدرسة لكي يعلّن للأستاذ أنه لم يحصل على موافقة بالتصوير -نظراً للطابع السياسي للفيلم- وأن عليه إيقاف التصوير حالاً. وكما يشير المدرّس بأعقاب ذلك، فإن هذا جزء من السياسة الترهيبية التي يواجهها الفلسطينيون بكافة المجالات وأيضاً في الجهاز التربوي.
مع أن الناس بشكل عام تجاوبت مع أسئلتي وتوجهاتي ولم تخف من التحدث بحرية أمام الكاميرا، إلا أنني واجهت تمنعاً في البداية من قبل بعض الأشخاص مثل أحد المعتقلين من مدينة سخنين والذي ضُرب بقسوة في يوم الأرض. فبعد محاولات عدة، تمكنت من إقناعه بالتحدث وكانت النتيجة بأنه بكى بحرقة أمام الكاميرا، الأمر الذي أظهر عمق المشاعر والآلام التي يحملها في داخله منذ قرابة أربعة عقود. وبالنسبة له ولآخرين غيره، فإن هناك صدمة قد مروا بها في يوم الأرض ولا يريدون التحدث عنها أو كسر هذا الحاجز الذي وضعوه أمامها. تلمسّت رغبة في حفظ هذه الأحداث كشيء شخصي لا يريدون مشاركته مع أحد.